فصل: شهر صفر الخير 1221:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر المحرم سنة 1221:

استهل شهر المحرم بيوم الخميس حساباً ويوم السبت هلال، ووافق ذلك انتقال الشمس لبرج الحمل فاتحدت السنة القمرية والشمسية وهو يوم النوروز السلطاني وأول سنة الفرس وهو التاريخ الجلالي اليزدجردي وتاريخهم في هذه السنة ألف ومائة وستة وسبعون، وكان طالع التحويل الواقع في يوم الجمعة في خامس ساعة ونصف من النهار سبع درجات ونصفاً من برج السرطان وصاحبه في حين العاشر منصرف عن تربيع المشتري ومقارنة عطارد والمشتري في السابع والمريخ مع الزهرة في العاشر وهي رجعة وكيوان في الرابع وهو دليل على ثبات دولة القائم وتعب الرعية والحكم لله العلي الكبير.
وفي ثالثه في ليلة الثلاثاء وصل إلى بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بولايته بمصر وصحبة التقرير خلعة وهي فروة سمور، فلما أصبح النهار عمل محمد علي باشا ديواناً بمنزله بالأزبكية وحضر السيد عمر النقيب والمشايخ والأعيان وحضر ذلك الآغا من بولاق في موكب ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وأمامه الآغا والوالي والمحتسب والأغوات والجاويشية وخلفه النوبة التركية، فلما وصلوا إلى بات الخرق عطفوا على جهة الأزبكية، فلما قرئ التقليد ضربوا مدافع كثيرة من الأزبكية والقلعة وعملوا تلك الليلة شنكاً وحراقات ونفوطاً وسواريخ كثيرة وطبولاً وزموراً بالأزبكية.
وفي سابعه، وصلت الأخبار بوقوع حروب بين العساكر والعربان والأمراء المصرية بناحية جزيرة الهواء وقتل شخص من كبار العسكر يسمى كور يوسف وغيره، ووصل إلى مصر عدة جرحى وهرب من العسكر طائفة وانضموا إلى الأمراء المصريين وأرسل حسن باشا يستنجد الباشا بإرسال عساكر إليه وفي ذلك اليوم نادوا في الأسواق بعدم المشي في الأسواق من أذان العشاء، وخرج كتخدا بك إلى بولاق في آخر النهار ونصب وطاقه ببر أنبابة وخرج سليمان آغا بجملة من العسكر وذهب إلى ناحية طرا.
وفي ثامنه، عدى كتخدا بك إلى البر الغربي وانتقل طاهر باشا إلى الجيزة وأقام بها محافظاً.
وفيه أمر الباشا بجمع الأجناد المصرية والوجاقلية وأمرهم بالتعدية إلى البر الغربي، وكان تخوف من إقامتهم بالمدينة وقال لهم من أراد منكم الذهاب إلى الأخصام فليذهب وإلا يستمر معنا.
وفي هذه الأيام، كان مولد سيدي أحمد البدوي والجمع بطندتا المعروف بمولد الشرنباباية وهرع غالب البلد بالذهاب إليه وأكثروا الجمال والحمير بأغلى الأجرة لأن ذلك صار عند أهل الإقليم موسماً وعيداً لا يتخلفون عنه إما للزيادة أو للتجارة أو للنزاهة أو للفسوق ويجتمع به العالم الأكبر وأهالي الإقليم البحري والقبلي وخرج أكثر أهالي البلد بحمولهم فكان الواقفون على الأبواب يفتشون الأحمال فوجدوا مع بعضهم أشياء من أسباب الأجناد المصرية وملابسهم، ونحو ذلك فوقع بسبب ذلك إيذاء لمن وجدوا معه شيئاً من ذلك ولباقي الناس ضرر بنبش متاعهم فكان من الناس من يأخذ معه أشخاصاً من العسكر من طرف الآغا يسلكونهم للخروج من غير تفتيش ويمنعون المتقيدين بالأبواب عن التعرض لهم ونبش متاعهم وأحمالهم.
وفي تاسعه، وصل الخبر بأن عابدين بك لما بلغه خروج الألفي من الفيوم ذهب إليها صحبة الدلاة، فلم يجد بها أحد فدخلها وأرسل المبشرين إلى مصر بأنه ملك الفيوم فضربوا مدافع لذلك وانبث المبشرون يطوفون على بيوت الأعيان يبشرونهم بذلك ويأخذون على ذلك الدراهم والبقاشيش ثم لما بلغ عابدين بك ما حصل لأخيه حسن باشا من الهزيمة رجع إليه وأقام معه ناحية الرقق.
وفي عاشره، وصل الألفي إلى ناحية كرداسة وانتشرت عساكره وعربانه بإقليم الجيزة، فلم يخرج لهم أحد من الجيزة مع كونهم بمرأى منهم ويسمعون نقاقيرهم وطبولهم ووطء حوافر خيولهم.
وفيه، أرسل الألفي مكتوباً خطاباً إلى السيد عمر أفندي مكرم النقيب والمشايخ مضمونه نخبركم أن سبب حضورنا إلى هذه الجهة إنما هو لطلب القوت والمعاش فإن الجهة التي كنا بها لم يبق فيها شيء يكفينا ويكفي من معنا من الجيش والأجناد ونرجو من مراحم أفندينا بشفاعتكم أن ينعم علينا بما نتعيش به، كم رجونا منه في السابق، فلما كان في صبحها يوم الاثنين حادي عشره ركب السيد عمر إلى الباشا وأخبره بذلك وأطلعه على المراسلة فقال ومن أتى به قال له تابع مصطفى كاشف المورلي وقد ترك متبوعه بالبر الآخر فقال له اكتب له بالحضور حتى نتروى معه مشافهة وفي ذلك الوقت حضر إلى الباشا من أخبره بأن طائفة من المصريين وجيوشهم وصلوا إلى بر أنبابة فخرج إليهم طائفة من العسكر المرابطين هناك وتحاربوا معهم بسوق الغنم ووقع بينهم بعض قتلى وجرحى فركب من فوره وذهب إلى بولاق فنزل بالساحل وجلس هناك ساعة، ثم ركب عائداً إلى داره بعد أن منع من تعدية المراكب إلى بر أنبابة ثم أمرهم بالتعدية لربما احتاجوها وكان كذلك فإنهم رجعوا مهزومين، فلو لم يجدوا المعادي لحصل لهم هول كبير.
وفي يوم الثلاثاء، حضر مصطفى كاشف المورلي المرسل من طرف الألفي وصحبته علي جربجي بن موسى الجيزاوي إلى بيت السيد عمر فركب صحبته إلى الباشا وكتبوا له جواباً ورجع من ليلته، ثم حضر في يوم الخميس رابع عشره بجواب آخر ومضمونه أننا أرسلنا لكم نرجو منكم أن تسعوا بيننا بما فيه الراحة لنا ولكم وللفقراء والمساكين وأهالي القرى فأجبتمونا بأننا نتعدى على القرى ونطلب منهم المغارم ونرعى زرعهم وننهب مواشيهم والحال أنه والله العظيم ونبيه الكريم أن هذا الأمر لم يكن على قصدنا ومرادنا مطلقاً وإنما الموجب لحضورنا إلى هذا الطرف ضيق الحال والمقتضي للجمعية التي نصحبها من العربان وغيرهم إرسال التجاريد والعساكر علينا فلازم لنا أن نجمع إلينا من يساعدنا في المدافعة عن أنفسنا فهم يجمعون أصناف العساكر من الأقطار الرومية والمصرية لمحاربتنا وقتالنا وهم كذلك ينهبون البلاد والعباد للإنفاق عليهم، ونحن كذلك نجمع إلينا من يساعدنا في المنع ونفعل كفعلهم لننفق على من حولنا من المساعدين لنا وكل ذلك يؤدي إلى الخراب والدمار وظلم الفقراء والقصد منكم بل والواجب عليكم السعي في راحة الفريقين وهو أن يكفوا الحرب ويفرزوا لنا جهة نرتاح فيها فإن أرض الله واسعة تسعنا وتسعهم ويعطونا عهداً بكفالة بعض من نعتمد عليه من عندنا وعندهم، ويكتب بذلك محضر لصاحب الدولة وننتظر رجوع الجواب وعند وصوله يكون العمل بمقتضاه فعند ذلك اقتضى الرأي أن يقطعوه إقليم الجيزة وكتبوا له جواباً بذلك م غير عقد ولا عهد ولا كفالة، كما أشار وسلموا الجواب لمصطفى كاشف ورجع به وفي أثناء ذلك طلب أجناد الألأفي كلفاً من بلد برطيس وأم دينار ومنية عقبة فامتنعوا عليهم فضربوهم وحاربوهم ونهبوهم وسبب ذلك أن العساكر الأتراك أغروهم وأرسلوا يقولون لهم إذا طلبوا منكم كلفة أو دراهم لا تدفعوا لهم واطردوهم وحاربوهم ونهبوهم وإذا سمعنا حربكم معهم أتيناكم وساعدناكم فاغتروا بذلك وصدقوهم، فلما حصل لهم ما حصل لم يسعفوهم ولم يخرجوا من أوكارهم حتى جرى عليهم المقدور.
وفي يوم السبت ثالث عشرينه، كتب الباشا مراسيم أرسلها إلى كشاف الأقاليم والكائنين بالبلاد من الأجناد المصرية بأن يجتمعوا بأسرهم ويذهبوا إلى ساحل السبكية للمحافظة عليها من وصول الأخصام إليها ولمنعهم من تعدية البحر إليها لأنهم إذا حصلوا بها تعدى شرهم إلى بلاد المنوفية بأسرها وأشيع عزم الباشا على الركوب بنفسه وذهابه إلى تلك الجهة ويكون سيره على طريق القليوبية ويلحق بهم وكتخدا بك وطاهر باشا يسيران على الساحل الغربي تجاههم، ثم بطل ذلك وأرسل إلى حسن باشا سرششمه بأن يحضر بمن معه من العسكر من عند حسن باشا طاهر من ناحية بني سويف، وكذلك عساكر كور يوسف الذي قتل في المعركة كما ذكر.
وفي ذلك اليوم، وصل رسول أيضاً من عند الألأفي بمكاتبات واجتمع بالسيد عمر النقيب والمكاتبات خطاب له ولبقية المشايخ وللباشا ولسعيد آغا دار السعادة وصالح بك القابجي بمعنى ما تقدم صحبة أحمد أبي ذهب العطار فكتبوا له جواباً بالمعنى الأول وأعادوا الرسول وأصحبوه ببعض المتعممين وهو السيد أحمد الشتيوي ناظر جامع الباسطية وكل لك أمور صورية وملاعبات من الطرفين لا حقيقة لها.
وفي يوم الثلاثاء، وصل الجماعة المذكورون الذين استدعاهم الباشا بعساكرهم وخلع الباشا على أحد كبارهم عوضاً عن كور يوسف المقتول. وفيه وصل الخبر بأن طائفة من الأجناد المصرية ومن يصحبهم من العربان عدوا إلى بر السبكية، ولم يمنعهم المحافظون بل هربوا من وجوههم فأمر الباشا بسفر العساكر وطلب دراهم سلفة من الأعيان لأجل نفقة العساكر وفرضوا على البلاد ثلاثة آلاف كيس ويكون على العال منها مائة ألف فضة وفيها الأوسط والدون.
وفي يوم الخميس، نودي في الأسواق بخروج العساكر.
وفي يوم السبت، سافر طاهر باشا إلى منوف على جرائد الخيل وسافر بعده كتخدا بالحملة واحتاجوا إلى جمال فأخذوا جمال السقائين والشواغرية.
وفيه حضر عمر بك الأرنؤدي من ناحية بني سويف وأخبر الواردون من الناحية أن رجب آغا وطائفة من العسكر خامروا عليه وانضموا الأمراء القبليين وهم نحو الستمائة، فعند ذلك حضر عمر بك المذكور في تطريدة ليبرئ نفسه من ذلك، وحضر أيضاً محو كبير العسكر المحاصرين بالمنية يطلب علوفة للعسكر.
وفيه أراد كتخدا بك وهو المعروف بدبوس أوغلي أن يركب من أنبابة وحمل أحماله ليسير إلى جهة بحري فثارت عليه العسكر وطالبوه بعلائفهم وسفهوا عليه ومنعوه من الركوب فأراد التعدية إلى بر بولاق فمنعوه أيضاً وجذبوا لحيته فأقام يومه وليلته، ثم قال لهم وما الفائدة في مكثي معكم دعوني أذهب إلى الباشا وأشعى في مطلوبكم ولم يزل حتى تخلص منهم وعدى إلى مصر ولم يرجع إليهم.
وفي يوم السبت الذي هو غايته، وصلت عساكر الدلاة الذين كانوا بناحية بني سويف والفيوم إلى بر أنبابة وضربوا لهم مدافع لوصولهم.
وفيه أرسل كبار العسكر الذين بناحية منوف مكاتبة إلى الباشا يذكرون أن العساكر يطلبون مرتبات وأرز وسمن فأنهم لا يحاربون ولا يقاتلون بالجوع.
وفي هذه الأيام، وصل الكثير من العساكر القبلية ودخلوا البلد وكثروا بها.
وفي هذه الأيام أيضاً وصلت الأخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين وذلك لشدة ما حصل لهم من المضايقة الشديدة وقطع الجالب عنهم من كل ناحية حتى وصل ثمن الأردب المصري من الأرز خمسمائة ريال والأردب البر ثلاثمائة وعشرة وقس على ذلك السمن والعسل وغير ذلك، فلم يسع الشريف إلا مسالمتهم والدخول في طاعتهم وسلوك طريقتهم وأخذ العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة وأمر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الأراجيل بالتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة بالملازمة على الصلوات في الجماعة ودفع الزكاة وترك لبس الحرير وإبطال المكوس والمظالم، وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى أن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة وعشره بحسب حاله وإن لم يدفع أهله القدر الذي يتقرر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه ولا يتقرب إليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الإذن وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي أحدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري ومصادرات الناس في أموالهم ودورهم فيكون الشخص من سائر الناس جالساً بداره فما يشعر على حين غفلة منه إلا والأعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها ويقولون أن سيد الجميع محتاج إليها فإما أن يخرج منها جملة وتصير من أملاك الشريف، وإما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها أو أقل أو أكثر فعاهده على ترك ذلك كله واتباع ما أمر الله تعالى به في كتابه العزيز من إخلاص التوحيد لله وحده واتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الأحياء والأموات في الشدائد والمهمات، وما أحدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الأعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان وعمل الأعياد والمواسم لها واجتماع أصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الأشياء التي فيها شركة المخلوقين مع الخالق في توحيد الألوهية التي بعثت الرسل إلى مقاتلة من خالفها ليكون الدين لله فعاهده على منع ذلك كله وعلى هدم القباب المبنية على القبور والأضرحة لأنها من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهده بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية وإقامة الحجة عليهم بالأدلة القطعية التي لا تقبل التلويل من الكتاب والسنة وإذعانهم لذلك، فعند ذلك أمنت السبل وسلكت الطرق بين مكة والمدينة وبين مكة وجدة والطائف وانحلت الأسعار وكثر وجوده المطعومات وما يجلبه عربان الشرق إلى الحرمين من الغلال والأغنام والأسمان والأعسال حتى بيع الأردب من الحنطة بأربع ريالات، واستمر الشريف غالب يأخذ العشور من التجار وإذا نوقش في ذلك يقول هؤلاء مشركون وأنا آخذ من المشركين لا من الموحدين.

.شهر صفر الخير 1221:

استهل بيوم الأحد فيه سافر محو بك إلى جهة المنية وفيه ورد من إسلامبول شخص قابجي وعلى يديه مرسومات بالجمارك وغيرها ومنها ضبط ترك الموتى المقتولين والمقبورين، وكذلك تركة السيد أحمد المحروقي وآخر يسمى الشريف محمد البرلي والقصد تحصيل الدراهم بأي حجة كانت ووصل آخر متعين لجمرك الإسكندرية وآخر لدمياط ولرشيد أيضاً.
وفيه عزم الباشا على السفر لمحاربة الألفي، وأشيع عنه ذلك وأنزلوا مدافع من القلعة وجبخانة وآلات حربية.
وفي رابعه قوي عزمه على ذلك، وأشيع أنه مسافر يوم السبت وأشار على السيد عمر أفندي النقيب بأن ينوب عنه ويكون قائماً مقامه في الأحكام مدة غيابه، فلم يقبل السيد عمر بذلك وامتنع ثم فترت همته عن ذلك وتبين أنها إيهامات لا أصل لها.
وفي يوم الخميس، أرسل الباشا إلى الخانات والوكائل أعواناً فختموا على حواصل التجار بما في داخلها من البن والبهار، وذلك بعد أن أمنهم وقبض منهم عشورها ومكوسها بالسويس، فلما وصلت القافلة واستقرت البضائع بالحواصل فعل بهم ذلك، ثم صالحوا وأفرج عنهم.
وفيه ورد الخبر بأن الألفي ارتحل من ناحية الجسر الأسود والطرانة وقصد جهة البحيرة.
وفي يوم السبت، ركب صالح آغا قابجي باشا ونزل إلى بولاق ليسافر إلى الديار الرومية فركب لوداعه الباشا وسعيد آغا والسيد همر النقيب فشيعوه إلى بولاق. حتى نزل إلى المراكب وخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة بعد أن وفاه خدمته وهاداه بهدايا وأصحب معه هدايا للدولة وأربابها وعرفه بقضايا وأغراض يتممها له هناك وودعوه ورجعوا إلى بيوتهم بعد الغروب.
وفي يوم الثلاثاء عاشره، سافر صالح آغا السلحدار إلى جهة بحري على طريق المنوفية وصحبته عساكر وقرروا له مقادير من الأكياس على كل بلد من البلاد الرائجة عشرون كيساً فما فوقها، وما دونها ومن كل صنف مقادير أيضاً.
وفيه فرضوا على البلاد غلال قمح وفول وشعير كل بلد عشرون أردباً، فما فوقها وما دونها وهذه ثالث فرضة ابتدعت من الغلال على البلاد في هذه الدولة.
وفيه ورد الخبر بأن الألفي توجه إلى ناحية دمنهور البحيرة يوم الأربعاء رابعه وأنهم امتنعوا عليه فحاصرهم لأنهم استعدوا لذلك والبلد منضافة إلى السيد عمر النقيب فكان يرسل إليهم ويحذرهم منه ويرسل إليهم ويمدهم بآلات الحرب والبارود ويحرضهم على الاستعداد للحرب فحصنوا البلدة وبنوا أسوارها وجعلوا فيها أبراجاً وبدنات وركبوا عليها المدافع الكثيرة وأحضروا لهم ما يحتاجون إليه من الذخيرة والجبخانة وما يكفيهم سنة وحفروا حولها خنادق وهي في موقعها مرتفعة.
وفيه عزل الباشا محمد آغا كتخدا بك من كتخدائية بسبب أمور نقمها عليه وحبسه وطلب منه ألف كيس وقلد في الكتخدائية خازنداره وهو المعروف بدبوس أوغلي.
وفي ليلة الأحد ثامنه، عدى ساري عسكر إلى بر أنبابة بوطاقه وهو دبوس أوغلي الكتخدا المذكور، وذلك في أواخر النهار وضربوا مدافع كثيرة لتعديته وأخذ العسكر في تشهيل أمورهم ولوازمهم وأنفق عليهم الباشا نفقة هذا والطلب والتوزيع بالأكياس مستمر لا ينقطع عن أعيان الناس والتجار والأفندية الكتبة وجماعة الضربخانة والملتزمين بالجمارك وكل من كان له أدنى علاقة أو خدمة أو تجارة أو صنعة ظاهرة أو فائظ أو له شهرة قديمة أو من مساتير الناس وغالب الأحيان المحصل لذلك والقاضي فيه السيد عمر أفندي النقيب وقد حكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وانعكس الحال والوضع وساءت الظنون والأمر لله وحده.
وفي يوم الخميس تاسع عشره، ارتحل عرضي التجريدة من أنبابة وذهبوا إلى جهة الوراريق.
وفي هذه الأيام، كان بين مشايخ العلم منافسات ومنافرات ومحاسدات وذلك من أوائل شهر رمضان وتعصبات بسبب مشيخة الجامع ونظر أوقافه وأوقاف عبد الرحمن كتخدا فاتفق أن الشيخ عبد الرحمن السجيني ابن الشيخ عبد الرؤوف عمل وليمة ودعاهم إليها فاجتمعوا في ذلك اليوم وتصالحوا في الظاهر.
وفي يوم الاثنين، هبت رياح وأثارت غباراً وزوابع ولواقح ثم غيمت السماء غيماً منقطعاً وأرعدت وأمطرت، فكان الغبار والزوابع والشمس طالعة والمطر نزل، وذلك بعد العصر وحصل مثل ذلك أيضاً في يوم الثلاثاء ولكن بعد الظهر.
وفي تلك الليلة بعد الغروب، خرج الباشا محمد أفندي المنفصل عن الكتخدائية منفياً إلى جهة دمياط وأصحب معه عدة من العسكر ذهبوا به من طريق البر.
وفي أواخره، رجعت عساكر من الأرنؤد وكانوا كثيرين ونزلوا ببولاق ومصر القديمة وغالبهم الذين كانوا بصحبته حسن باشا طاهر وأخيه عابدين بك وسبب رجوعهم أنهم طلبوا علائفهم من حسن باشا، وكان قد ظهر له فيهم المخاطرة عليه وميلهم إلى الأخصام فامتنع من دفع علائفهم وقال لهم اذهبوا إلى مصر واطلبوا علائفكم من الباشا وأرسل إليه يعرفه بحالهم ونفاقهم، فما تراسلوا في الحضور منعهم الباشا من الدخول إلى البلد ووعدهم بإيصال علائفهم إليهم وهم خارج المدينة وبعد أن يقبضوا مالهم يعودون إلى مرابطهم، كما كانوا فأقاموا بناحية بولاق وأرسل الباشا فجمع عربان الحويطات والعائد وغيرهم فأقاموا بناحية شبرا ومنية السيرج وهم جملة كبيرة استمروا في تجمعهم أربعة أيام وأرسل إلى الأجناد والجربجية وأمثالهم المقيمين بمصر وأمرؤ بأن يتهيؤا ويقضوا أشغالهم ويخرجوا صحبة حسن آغا الشماشيرجي، فمن كان منهم ذا مقدرة وعنده حصان يركبه أو جمل يحمل عليه متاعه خرج بنفسه وإلا خرج بدلاً عنه وأعطاه مصروفه واحتياجاته ولوازمه وبرزوا إلى خارج، ثم أرسل إلى العساكر المذكورين يأمر كبارهم بالسفر إلى بلادهم فامتنعوا وقالوا لا نسافر حتى نقبض المنكسر لنا من علائفهم، فعند ذلك دس إلى أصاغرهم من خدعهم واستمالهم حتى تفرقوا في خدمة المستوطنين، ولم يبق مع كبارهم المعاندين إلا القليل فلم يسعهم بعد ذلك إلا الامتثال وارتحلوا في غايته من بولاق وسافر معهم الشماشيرجي المذكور ومن بصحبته من المصريين وحولهم العربان وساروا على طريق دمياط وهم اثنان وخمسون شخصاً من كبار طائفة الأرنؤود حصل من العرب في مدة تجمعهم ما لا خير فيه وكذلك في مدة إقامتهم من الخطف والتعرية وقطع الطريق على المسافرين.